المادة    
إلا من ضلوا عن الكتاب والسنة تجدهم يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التي وضعها رءوسهم؛ لأنهم افتقدوا مصادر العلم والحقيقة، حتى في الحقائق التاريخية فضلاً عن الحقائق الغيبية، مع أنه لا يصح أن تعد كتب اللغة والأدب وكتب علم الكلام مصدراً، خاصة بما يتعلق بكتب الأدب، فإنها تؤخذ أحياناً من مصادر تاريخية.
فإذا أراد أحد أن يأخذ سيرة هارون الرشيد ، فضلاً عن سيرة الصحابة والتابعين، فلا يعتمد على كتاب الأغاني ، فإذا كان هذا لا يصح في حق رجل وفرد من الأمة فكيف يجوز أن تؤخذ الحقائق الإيمانية والغيبية عن هذه الكتب؟ والمعتزلة إذا أراد أحدهم أن يتكلم قال: قال القاضي أي: عبد الجبار ، والأشاعرة يقولون: قال القاضي أي: الباقلاني ، فيأخذ عن كتب الكلام، وإذا جاء إلى اللغة قال: هذا مجاز، أحال على أساس البلاغة الذي مؤلفه الزمخشري ، أو يقول: قال الجاحظ ، والجاحظ من رؤساء المعتزلة ، فلا يصح أن نستدل على الحق والعلم في المسألة بكلام رأس من رءوس البدعة.
ولا يصح الأخذ من كتب الأدب التي قد يظن أنها محايدة أو أن الغرض منها هو مجر الشعر والأخبار ككتاب الأغاني ، فإن أبا الفرج الأصبهاني مؤلفه رافضي في عقيدته كما هو واضح من عقيدته وكتبه وكلامه، ولابد من النظر في أسانيده، فإذا كنا لا نقبل أسانيد الإمام الطبري رحمه الله في التاريخ إلا بعد أن نمحص الرجال واحداً واحداً، فكيف برجال الأغاني ، ولو لم يكن من الرجال الكذابين إلا أبو الفرج نفسه لكفى ذلك في أن لا يقبل كلامه، حتى لو كان الإسناد متصلاً إلى صاحب القضية؛ لأنه قد يكذب على الثقات. فإذاً: كيف يعتمد عليه؟!
ولقد وصل الحال ببعضهم إلى أن جرد كتب العقيدة وكتب التاريخ من الأدلة الشرعية، بل أصبح أحياناً الكلام عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخذ إلا من كلام الإخباريين وكُتَّاب السير، بينما تجد أن هذه القضية من قضايا السيرة وردت في القرآن أو ثبتت في صحيح البخاري بشكل قاطع لا يحتاج معه إلى رأي آخر، وبعضهم قد يقول نحن لسنا بمحدثين، إنما نحن مؤرخون أو أدباء، أو من أهل الكلام.
والأشد من ذلك أن عدم معرفة المصادر الأساسية التي يعتمد عليها أصبحت ظاهرة معروفة لدى كثير من الناس، فنتج عن ذلك الخطأ الكثير، بل ربما لا يعرف الرجل منهم أن هذه القضية فيها حديث صحيح في البخاري ، وفيها كلام لبعض المؤرخين، فيقوم بعقد مقارنة ليرجح ويقارن بين هذا وهذا، وربما رجح ما ذكره فلان من غير سند على ما هو ثابت في صحيح البخاري ، وهذا دليل على الخلل في المنهج في مصدر الاستمداد والتلقي، وتبعاً لذلك فإنه لا يستبعد حصول أي خطأ؛ لأنه إذا كان الذي يعتمد على القرآن وعلى السنة وعلى كلام السلف قد يخطئ في بعض الاستنتاج والقياس والتأويل، فكيف بالذي لم يعتمد عليها أصلاً، وإنما اعتمد على مصادر يكون الحق فيها قليلاً أو لا حق فيها مطلقاً؟
وهذه هي طريقة الملاحدة الذين هم أغلظ من أهل البدع، فهم إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة.